مبرر «الحق ما ينزعل منه» لا يكون الحل الأول في المواجهةهل تشكو أخاك أو قريبك في المحكمة ؟[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الخبر، تحقيق - عبير البراهيم
كان حجم الألم كبيراً، «غصة» وقفت في حلق «يوسف»، فيما راحت يداه وقدماه يهتزان وكأنهما لا يقويان على الوقوف، وهو يرى ابنته الوحيدة مرمية على الأرض بجروحها، فيما ذهبت أمها تلملمها بين أحضانها وهي تبكي بحرقة عليها، والتي زوجتها لابن عمها وفقدت كل شيء من حيويتها ومرحها، لتعود إليهم في كل مرة محملة بكدمات وجروح كان آخرها أن فقدت الجنين الذي حملت به!.
وفي كل مرة يشعر «يوسف» بأن ابنته تعاني من ظلم ذلك الزوج الذي هو في النهاية ابن أخيه، لتعود إليه مظلومة، كان يشعر بحيرة كبيرة في إنقاذ ابنته من ذلك الظلم، فقد حاول كثيراً أن يقدم إليه النصائح دون جدوى، ويلجأ إلى أخيه ليردع ابنه لكن موقفه كان سلبياً، سعى كثيراً لأن يتوسط في الموضوع أبناء العائلة الكبار، لكن ابن أخيه لم يكن يرتدع، حتى شعر بأنه مغلوب على أمره وسط بكاء وصراخ زوجته التي تطلب منه أن يحاكمه في القضاء، وأن يثبت جرمه بضرب ابنتهم وإسقاطها لجنينها، لكنه مازال يشعر بأن الموقف صعب، وبأنه لا يستطيع أن يقف أمام ابن أخيه وأخيه الأكبر في القضاء، ثم ماذا يقول الناس عنه؟، وماذا من الممكن أن يظن أخوه الذي وقف معه وقفات كبيرة في الحياة حينما كان طالباً؟، لكنه في مقابل ذلك كيف يترك ابنته تعاني مع شخص غير سوي، حتى إن كان ابن عمها الذي ظن بأنه سيكون أكثر الرجال حرصا عليها ومحبة.
نحتاج إلى ثقافة الالتزام مع الآخر حتى لو كان أقرب الناس إليك منعاً للخصومة والإحراج
تردد «يوسف» وخوفه من ان يشكي ابن أخيه، صورة اجتماعية تتكرر في واقع الكثير من الأسر التي ترفض بأن تكون - بحسب تعبيرها - حكاية في أفواه الناس، ولكن في مقابل ذلك أصر البعض أن يخرج عن بعض تقاليد المجتمع التي وصفوها بالبالية والظالمة، ووجدوا بأن حقوقهم لن تؤخذ إلاّ عن طريق المؤسسات الرسمية، خاصةً بعد أن نفذت السبل بهم، والسؤال هنا: هل تشكي قريبك حينما لا تجد حيلة معه إلا القضاء؟.
«الرياض» تسرد قصص من تعرضوا للإحراج من أقاربهم، وأجبرتهم الظروف على رفع الشكاوي ضدهم، بعد أن ذاقوا الأمرين من التجاهل وعدم الاحترام، الأمر الذي يدعوا إلى توعية المجتمع بثقافة الالتزام مع الآخرين حتى لو كانوا أقرب الناس، منعاً لحدوث الخصومة بين أفراده.
فهد: نعتوني ب«حُب المال» سمية: والدتي غضبت مني أم إبراهيم: الدم لا يصبح ماء
د.الغريب: المجتمعات المتقدمة لا تتعارض في بناء ثقافتها مع الأعراف الإيجابية
شقيقي والإرث
في البداية قال "فهد عبدالعزيز": إن الحق لا يُستحى منه، وأن هناك أموراً في الحياة تضع الإنسان في طريق المحك الذي لابد أن يختار من خلاله، مضيفاً أن والدهم توفي مخلفاً ثروة جيدة، وبعد وفاة الأب بسنوات وجد الأخوة بأن شقيقهم الأكبر لم يبادر بفتح موضوع الإرث لهم، بل ولم يتحدث عن إعطاء الحقوق في تلك الثروة، مشيراً إلى أنه عند مبادرته بعقد اجتماع في بيته لتوزيع تلك الثروة ثارت ثائرة الأخ الكبير، مبدياً امتعاضه من الموضوع، ومدعياً بأنه نمى تلك الثروة من لاشيء، وبأن والدهم لم يكن يملك إلا القليل وقد ذهب في قضاء الديون!.
ضغوطات كبيرة
وأضاف أنه حاول أن يبادر بالصلح وتسوية الأمور بشكل عقلاني وبعيداً عن القضاء، حفاظاً على روابط الأخوة التي تجمعهم، لكنه عبثاً كان يحاول، مبيناً أنه "وسّط" أبناء عمومته في الموضوع، ووسّط إمام مسجد الحي، وكذلك بعض الأصدقاء المقربين لأخيه دون جدوى، ذاكراً أنه لم يجد إلا طريق القضاء لأخذ الحقوق، وقد رفع دعوة يطلب فيها تقسيم الثروة بالعدل، لكنه وجد ضغوطات اجتماعية كبيرة حوله، فالجميع انتقده، حتى أن هناك من جيران الحي من رفضوا السلام عليه في المسجد، وهناك من نعته بالذي فضل حب المال على روابط أخيه فوُصف بقليل المروءة، لافتاً إلى أن هناك من حاول أن يناصحه ليتراجع عن الدعوى، واصفاً ذلك بقسوة القلب وعدم احترام روابط الأخوة، وبأن الدم لا يصبح ماء وغيرها من التعليقات التي شعر بالمفاجأة منها.
المطالبة بالحقوق
وأوضح أن المجتمع -حسب قوله - يرفض إقامة العدل ورفع الظلم بذريعة الأخوة حتى وإن كان ذلك الأخ لم يراع حقوقها وشرع الله، مؤكداً على أن المجتمع مازال أسير معتقداته حتى إن كانت ظالمة، وبأن مبدأ تعميق المطالبة بالحقوق غير موجود في الثقافة الاجتماعية، حتى يفضل البعض أن يسرق على أن يقاضي من سرق، مشيراً إلى أن المرء عليه أن يدافع عن حقوقه خاصة حينما يشعر بأنه مستغل من قبل أقرب الناس إليه، وحتى إن أضطر إلى أن يشكو أخيه.
رهن منزلي
واتفقت معه "سمية عبدالعزيز" التي تقدمت بشكوى ضد شقيقها الذي طلب منها ذات يوم أن ترهن منزلها حتى يستطيع أن يبدأ بمشروع يحسن وضعه المالي من خلاله، وقد تعاطفت معه من منطلق الأخوة والمحبة، وبالفعل رهنت منزلها حتى يبدأ أخوها مشروعه الذي أكد لها بأنه مربح، بل وأنه سيرجع لها رهن المنزل في غضون أشهر، مضيفةً: "مرت تلك الأشهر تلتها أشهر وقد قاربت المدة على الانقضاء والمنزل قارب أن يستولي عليه البنك، لجأت إلى أخي أستنجده في أن يرد لها الرهن خاصةً بعد أن نجح في ذلك المشروع، وبأنني لا أجد ضماناً في حياتي سوى ذلك البيت الذي أشتريته من أقساط تؤخذ من راتبي الشهري، بعد أن وجدت نفسي أدخل سن الأربعين دون أن أتزوج، أو يكون لها أبناء أو سند"، لافتةً إلى أنه تهرب منها وأصبح لا يرد على اتصالاتها، فسعت لأن يتدخل أخوتها في الموضوع ويضغطوا على أخيهم، لكنهم وصفوها بالحمقاء لأنها وثقت به!.
عُرف وتقاليد
وأوضحت أنها لم تجد سوى طريق القضاء لتشكوه برفع قضية عليه، ومازال يتهرب بعدم الحضور الدائم، ذاكرةً أن المجتمع -حسب قولها- يرفض أن يطالب أحد بحقوقه عن طريق الجهات الرسمية، على الرغم أنها لم توضع إلا من أجل استرداد الحقوق، مشيرةً إلى أن والدتها غضبت منها بعد رفع تلك الدعوة، وهددتني بأنها لن تتحدث معي حتى تسقط القضية عن شقيقها، واصفةً ما تمر به بالأزمة الكبيرة التي أثرت عليها كثيراً، وهي قضية ليست بينها وبين أخيها الظالم فقط، بل بين العرف والتقاليد وبين الشرع والحق.
احترام الدم
ورأت "أم إبراهيم" أنه حتى في أحلك المواقف لابد أن لا يلجأ الإنسان لمقاضاة قريبه، فالدم لا يصبح ماء، ومهما كانت الخلافات لابد أن يجد الطرفان حلاًّ لها دون المساس بخطوط الأسرة الواحدة، خاصةً بأن الخسارة ستكون كبيرة، مضيفةً أن المجتمع يوصم تلك الأسرة بالعار والفضيحة، والجميع سيتحدث عن خلافاتهم التي وصلت إلى المحاكم، وربما تحدث انقسامات في الأسرة الواحدة، وربما تحدث حالات طلاق بين أسر المتخاصمين ويتضرر أناس ليس لهم أي ذنب في الموضوع، لافتةً إلى أن المحاولات الدائمة باتباع أسلوب النصح، والمطالبة بالحق بهدوء هو خير الحلول، حتى تبقى روابط الأسرة قوية.
شكت والدها
وذكرت حكاية جارتها التي شكت أبيها في القضاء لأنه يمنعها من الزواج من أجل الاستيلاء على راتبها، حيث كانت تعمل معلمة، حتى وصلت إلى سن حرج، وعلى الرغم من أن ذلك حق لها، إلا أن الآخرين وصفوها بأنها نزعت الحياء وبالجريئة؛ لأنها طالبت بمحاكمة والدها، مبينةً أن المجتمع دائماً يحسب الأمور بحسب تقاليده وما تعارف عليه وليس من منطلق الحق.
مؤسسات رسمية
وقال "د. عبدالعزيز الغريب" -أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود-: إن المجتمعات التقليدية عادة ما تلجأ في التعامل مع خلافتها ومشكلاتها بوسائل الضبط غير الرسمية، والتي يحكمها الدين والعادات والأعراف والتقاليد، مضيفاً أنه كانت القبيلة في السابق هي المرجعية الرئيسة في إنهاء الخلافات والتعامل معها، فقد كان لكل قبيلة أفراد محددون يعرفون بأنهم "وجهاء القبيلة"، يرجع إليهم الأفراد في حل مشكلاتهم الداخلية، أو حتى في خلافاتهم مع قبائل وأسر خارج نطاق القبيلة، مشيراً إلى أنه حينما تنتقل هذه المجتمعات من هذه النمطية التقليدية إلى المجتمعات الحديثة، يصبح القضاء هو المسؤول عن إنهاء الخلافات والمشكلات التي قد تحدث بين الأبناء، مؤكداً على أن هذا الانتقال قد يمثل إشكالية لبعض الأفراد الذين لازالوا أواصر العلاقات الاجتماعية بينهم قوية، وأنماط العلاقات تتصف بأنها علاقات مباشرة، وبالتالي قدر الإمكان لا يسعون إلى التعامل مع المؤسسات الرسمية في إنهاء تلك الخلافات، بل لازالوا يرجعون إلى الطرق التقليدية.
وصمة اجتماعية
وأوضح أن ذلك يحدث نتيجة لطبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع، القائمة على العائلة أو القبيلة والتي لها جوانب دينية، ولها جوانب ثقافية، وكذلك لها جوانب جغرافية تقليدية، ومازالت موجودة إلى يومنا هذا، موضحاً بأن المجتمع انفتح كثيراً في قضايا إنهاء المشكلات عبر المؤسسات الرسمية بين أبناء القبيلة الواحدة، لكنه لا يزال يتحفظ كثيراً على الشكاوى والدعاوى التي تتم بين أبناء البيت الواحد، وبين أبناء العم، وبين الأخوة، وكذلك بين الأب وأبنائه، فمازال هناك تحفظ كبير اجتماعياً، مرجعه الخوف من انهيار العلاقة بين أبناء العائلة الواحدة أو بين أبناء العمومة، إلى جانب الخوف من الوصمة الاجتماعية، تتمثل في وصم هذه الأسرة بأنها أسرة مفككة، وبأنها أسرة لا تراعي العادات والأعراف والقيم والتقاليد.
محافظة على الثوابت
وتمنى أن يجتاز المجتمع هذه المرحلة بقدر ما يحافظ على ثوابته، وكذلك تنظيم قضايا حقوق الإنسان وقضايا الترافع وقضايا الشكاوى، ذاكراً أنه اجتماعياً يلاحظ أن مؤسسات الفرد غير الرسمية قد تكون أقوى للحفاظ على الكيان الاجتماعي والسلم الاجتماعي من مؤسسات الضبط الرسمية؛ لأنها متأصلة في جذور الناس، فكثيراً منهم رجع في كثير من سلوكياتهم للقيم والأعراف وليس للعقوبات الرسمية، مشيراً إلى أن تعريف ذلك في علم الاجتماع يعد بناء رأس اجتماعي لدى الأجيال الشابة في مفاهيم الحقوق، وفي مفاهيم تحمل المسؤولية ومفاهيم الثقة، إلى جانب مفاهيم احترام الأعراف والقيم السائدة في المجتمع.
نوع من التهميش
وذكر أنه لا يتخوف من انهيار تلك القيم وتلك الأعراف، إلا أن القضية الحقيقية تكمن في أنها تمارس كنوع من التهميش أو كنوع من الضغط الاجتماعي، والذي قد يؤدي إلى تفكك وإحباط اجتماعي يصل بالناس إلى مرحلة يكون فيها اللجوء للمنظمات الرسمية هو الحل الوحيد، مشيراً إلى أن المجتمعات المتقدمة لا تتعارض كثيراً في بناء أنساقها الاجتماعية مع القيم والأعراف ذات الجذور الإيجابية، مضيفاً: "علماء الاجتماع منذ القدم يرون في القيم محركا رئيسيا في الحفاظ على المعايير السائدة، وكذلك الحفاظ على وسائل الضبط الاجتماعية"، مؤكداً على أن ذلك لا يمنع من حفاظ الإنسان على حقوقه، أو أن يدفعه ذلك إلى أن يترك حقوقه جراء الضغط الاجتماعي.
جماعات الراعي
وتمنى أن تستعين المؤسسات الرسمية بجماعات الراعي، بقوة الاجتماعية التقليدية، للتعامل مع المشكلات السائدة في المجتمع، خاصةً مع وجود وازدياد قضايا الخلافات المالية، وهي الأكثر شيوعاً في المحاكم وفي القضاء بين أبناء العائلة الواحدة وبين أبناء الفخذ الواحد أو القبيلة الواحدة، مشيراً إلى أن الفردية بدأت تنتشر في المجتمعات مما دفع الإنسان لأن يفكر بالأنا وليس بالآخرين، وذلك يحتاج إلى ترشيد كبير من قبل وسائل المؤسسات الاجتماعي بماهية القيم والأعراف التي يجب أن يحافظ عليها، وفي ذات الوقت في ماهية مؤسسات الضبط الرسمية وقدرتها في الموائمة بين القوانين والتشريعات والأنظمة الحديثة، وكذلك بين الأعراف والنظم والقيم الاجتماعية التقليدية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]امرأتان في طريقهما إلى المحكمة لشكوى أحد أقاربهما